[السلام عليكم ورحمت الله وبكاته]
التوبة : واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية ، بين العبد و بين الله تعالى ، لا تتعلق بحق آدمي ،
فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية _ أي : يكف عنها _ .
و الثاني : أن يندم على فعلها ، و هو أهم شروطها .
والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً .
فإن فقد أحد الثلاثة ، لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي ، فشروطها أربعة :
هذه الثلاثة التي ذكرناها .
و الرابع : أن يبرأ من الحق صاحبها .
و يجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها ، صحت توبته _ عند أهل الحق _ من ذلك الذنب ، و بقي
عليه الباقي .
و أول أسباب التوبة ، انتباه القلب من رقدة الغفلة ، ورؤية العبد ما هو عليه من سوء الحالة .
الحق سبحانه ، بسمع قلبه
ففي الحديث الشريف : (( ألا و إن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، و إذا فسدت فسد الجسد كله
، ألا وهي القلب )) .
و في الخبر : واعظ الله في قلب كل امرئ مسلم.
فإذا فكر العبد بقلبه في سوء ما يصنعه ، وأبصر ما هو عليه من قبيح الأفعال ، خطر في قلبه إرادة التوبة ، والإقلاع
عن المعاصي و الأثام ، فيمده الله سبحانه بتصحيح العزيمة ، و الأخذ في الرجوع إليه ، والتأهب لأسباب التوبة
و أول مرحلة من مراحلها ، هجر إخوان السوء ، فإنهم هم الذين يحملونه على رد هذا القصد ، و يشوشون عليه
صحة هذا العزم .
ولا يتم له ذلك إلا بالمواظبة على ما يزيد رغبته في التوبة ، ويتم ما عزم عليه ، مما يقوي خوفه ورجاءه ، فعند ذلك
تنحل من قلبه عقدة الإصرار على المعصية ، فيفارقها في الحال ، و يعزم على أن لا يعود لمثلها في الاستقبال .
فإن مضى على ذلك فهو الموفق السعيد .
و إن نقض التوبة مرة أو مرات ، وحملته الإرادة على تجديدها _ وقد يكون ذلك _ فلا ينبغي قطع الرجاء عن توبة
أمثال هؤلاء ، فإن لكل أجل كتاباً .
حكي عن أبي سليمان الدراني ، رحمه اللله تعالى ، أنه قال :
اختلفت إلى مجلس قاص _ أي واعظ _ فأثر كلامه في قلبي ، فلما قمت ، لم يبق في قلبي منه شئ،
فعدت ثانياً ، فبقي أثر كلامه في قلبي،
حتى رجعت إلى منزلي ، فتركت المخالفات ، ولزمت الطريق .
و تاب بعض السلف ، ثم وقعت له فترة ، فكان يفكر في نفسه مرة : وعاد إلى توبته كيف حكمه ؟
فهتف به هاتف : يا فلان ! أطعتنا فشكرناك , ثم تركتنا فأمهلناك , و إن عدت إلينا قبلناك.
فعاد إلى الاستقامة , و استمر عليها .